"لن يكون لدينا ما نحيا من أجله , إلا إذا كنا على استعداد للموت من أجله .. يجب أنْ نبدأ العيْش بطريقة لها معنى الآن" - تشي جيفارا

السبت، 5 سبتمبر 2015

كتابات سوداء.. الجزء الأول

على الهامش..
الليالي المظلمة كشرفات العمر المنهارة.. تلك الحواف المكشوطة.. المُبعثرة.. القاتمة.. المضيئة في عتماتها.. أنها تمر ببطء شديد.. ببطء قد يثقل تلك الأنفاس التي يحصيها زبانية النظام.. أما أنتِ فكما أنتِ دوماً قيثارة رومانية أوتارها متشابهة لناظرها... مختلفة عندما يتم العزف عليها.. أني أعشقك حد الموت!

….

ما الذي تريدينه أيتها المرأة مرة أخرى؟ لقد انقطعت رسالئنا وسط محاولات المُرتجلة والفاشلة للكتابة.. وها أنا وقد تمرست في عبث لا حدود له.. محاولات شتى للهروب ليس ممن أراد أن نصمت للأبد.. ليس من ثُعبان ما زالت مخالبه تجثم على أنفاسي.. أني أختنق كل يوم ألف مرة.. مرة من ألم الهروب.. ومرتين من تكرار نفس السؤال "لماذا".. وثلاث مرات تتبعها غفوة من واقع لم أعد أعاصره.. نحن حمقى في مضاجعنا تُسيرنا شهواتنا وملذاتنا وعشق قد أدمى نعوشاً عندما نلقاه.

لقد تعودت الإستلقاء على ظهري عند بادرة كل أزمة.. أن لا أفكر في الأمر كثيراً.. أن أشعل السيجارة تلو السيجارة على أمل الإختناق قبل اللقاء.. على أمل قد فقدته منذ أسبوعين.. عندما نعتوني بابن العاهرة!
ما الذي فعلته حتى يُفعل بي هكذا؟
لا تدري ما الذي فعلته "يجيب شيطاني أدمز"
قد يكون من الأفضل التظاهر بالبلاهة في ظل هذه الأجواء.

في الصباح لا تشرق الشمس عادة من قريتنا الصغيرة.. لا يصيح الديك ليعلن على رؤوس الأشهاد أن يوماً من القمع قد تفتحت معالمه البشعة والمتكررة.. لا جديد فوق هذه الأرض التي أسموهاً كذباً "الكنانة".. فحتى أنا أمارس لعبة الحياة منذ ما يزيد عن عشرين عاماً.. ما الذي تغير؟ لا شيئ!
ما زال صوت الجدة مختمراً في ذهني وهي تُلقي بتعويذة لأبي قبل الرحيل.. ما زال صوت أمي كما هو صياح مُتكرر ومناجاة من أجل الدراسة.
أوراق منثورة.. ووعود طليقة في الهواء.. كل شيئ كما هو تحت أضواء قريتنا المقموعة.

ولأني تعودت دوماً أن لا أسأل إطلاقاً عما لا يروق لي.. إلا أن شيطاني "أدمز" قد ألحت عليه مسائل كثيرة.. مثل هل يصيح السُكارى سُكارى لمجرد أنهم قد أسرفوا في الشراب أم لأن الحكومة أسرفت في رفع تكاليف النبيذ المُعتق؟

يحزنني واقع لا أجيد قراءته.. فأنا لم أتعلم أبجدية النظام.. لم أستسغها يوماً.. وبدلاً من محاولات الهروب إلى الخيال أفضل أن أنغمس أكثر في واقع لم أبتغيه!
في مدارسنا تعلمنا أن طاعة ولي الأمر من طاعة الله ورسوله، وأن من صفعك على خدك الأيمن فأعطي له ظهرك يغتصبك.. تعلمنا مرادفات الوقوف على أطرافنا الصغيرة.. الإنحناء.. الإستجداء.. التبعية.. التطبيع.. محاربة الإرهاب، ولأننا كُنا صغاراً يا عزيزتي بعقول هشة لم يلوثها سوى نشاز الأغاني الوطنية فلم يكن يعنينا ذلك.. لم نحاول مثلا معرفة ما هو الأجدى التمرس في حب المرأة أكثر فأكثر أم الإستجداء في حب وطن هكذا أسموه ولقنوه وكُنا لهم صاغرون.

في الصباح يا عزيزتي لن تشرق الشمس فوق معسكرات الإعتقال، لأن سارية العلم قد أعلنت وعلى لسان الناطق العسكري  أن شموس المجرة مؤامرة كونية، لا تتعجلي يا صغيرتي فالوقت لم يحن بعد لعقد المشانق.. وحدها فقط أسلاك الكهرباء العارية كفيلة بكل شيئ.
عزيزتي التي لن أذكرها خوفاً من ضياع أحرفها في مجمل النثر.. أكتب إليكي هذه المرة بأيدي مرتشعة.. لم تعهديها من قبل.. بقلب واهن قد أمتطى صهوة شجاعته فيما مضى.. أقول فيما مضى أم اليوم فأفكاري مشوشة كتلك الأحرف الرثة التي أمزجها الأن.. أعلم أنكِ تنتظري أحرف ذهبية.. تتغزل في المرأة الأنثى.. ولكنها الحرب.. إنها تحفر خنادق عميقة في قلبك لا يعود بإمكانك ردمها أبداً، أنت فقط تضع جسراً فوقها وتعبرها كأنها ليست خنادقك.. أنها تأكلنا بشراهة كل يوم وتحصرنا في زوايا العيش الضيقة لهذا نُجرب أن نعيش وكأننا نركض.. في الحرب لا يمكنكِ أن تجزمي بشيء فأنتِ بالتأكيد لا تشبهين  المرأة التي كانت قبل الحرب، الحرب تجعل منا كائنات هشة تجاه الحب والموت وتبقى الكتابة وحدها القشة الأخيرة التي أمسكها حتى لا أغرق وأنجرف مع سيول الحرب التي غيرت كل الملامح الواضحة للحياة.

فيراير 2015 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق